فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِم مّنْ غِلّ}: أي حقد، وأصله على ما قيل من الغلالة وهو ما يلبس بين الثوبين الشعار والدثار وتستعار للدرع كما يستعار الدرع لها، وقيل: قيل للحقد غل أخذًا له من انغل في كذا وتغلل إذا دخل فيه، ومنه قيل للماء الجاري بين الشجر غلل، وقد يستعمل الغل فيما يضمر في القلب مما يذم كالحسد والحقد وغيرهما، وهذا النزع قيل في الدنيا، فقد أخرج ابن أبي حاتم.
وابن عساكر عن كثير النوّا قال: قلت لأبي جعفر إن فلانًا حدثني عن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر.
وعلي رضي الله تعالى عنهم {وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِم مّنْ غِلّ} قال: والله إنها لفيهم أنزلت وفيمن تنزلا إلا فيهم؟ قلت: وأي غل هو؟ قال: غل الجاهلية إن بني تيم وبني عدي وبني هاشم كان بينهم في الجاهلية فلما أسلم هؤلاء القوم تحابوا فأخذت أبا بكر الخاصرة فجعل علي كرم الله تعالى وجهه يسخن يده فيكوي بها خاصرة أبي بكر رضي الله تعالى عنه فنزلت هذه الآية، ويشعر بذلك على ما قيل ما أخرجه سعيد بن منصور. وابن جرير. وابن المنذر. والحاكم. وغيرهم من طرق عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال لابن طلحة: إني لأرجو أن أكون أنا وأبوك من الذين قال الله تعالى: {وَنَزَعْنَا} الآية فقال رجل من همذان: إن الله سبحانه أعدل من ذلك فصاح علي كرم الله تعالى وجهه عليه صيحة تداعى لها القصر، وقال: فمن إذن إن لم نكن نحن أولئك؟ وقيل: إن ذلك في الآخرة بعد دخول الجنة، فقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم.
وابن مردويه من طريق القاسم عن أبي أمامة قال: يدخل أهل الجنة الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من الشحناء والضغائن حتى إذا تدانوا وتقابلوا على السر ونزع الله تعالى ما في صدورهم في الدنيا من غل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الكريم بن رشيد قال: ينتهي أهل الجنة إلى باب الجنة وهم يتلاحظون تلاحظ الفيران فإذا دخلوها نزع الله تعالى ما في صدورهم من الغل، وقيل: فيها قبل الدخول، فقد أخرج ابن أبي حاتم أيضًا عن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يحبس أهل الجنة بعد ما يجوزون الصراط حتى يؤخذ لبعضهم من بعض ظلاماتهم في الدنيا ويدخلون الجنة وليس في قلوب بعضهم على بعض غل»
وهذا ونحوه يؤيد ما قاله الإمام في المتقين، وقيل: معنى الآية طهر الله تعالى قلوبهم من أن يتحاسدوا على الدرجات في الجنة ونزع سبحانه منها كل غل وألقى فيها التواد والتحاب، والآية ظاهرة في وجود الغل في صدورهم قبل النزع فتأمل.
{إِخْوَانًا} حال من الضمير في {فِي جنات} [الحجر: 45]، وهي حال مترادفة أن جعل {ادخلوها} حالًا من ذلك أيضًا أو حال من فاعل {ادخلوها} وهي مقدرة إن كان النزع في الجنة أو من ضمير {ءامِنِينَ} [الحجر: 46]. أو الضمير المضاف إليه في {صُدُورُهُمْ} وجاز لأن المضاف بعض من ذلك وهي حال مقدرة أيضًا، ويقال نحو ذلك في قوله تعالى: {على سُرُرٍ متقابلين} ويجوز أن يكون صفتين لإخوانا أو حالين من الضمير المستتر فيه لأنه في معنى المشتق أي متصافيين، ويجوز أن يكون {متقابلين} حالًا من المستتر في {على سُرُرٍ} سواء كان حالًا أو صفة، وأبو حيان لا يرى جواز الحال من المضاف إليه إذا كان جزأه أو جزئه ويخصه فيما إذا كان المضاف مما يعمل في المضاف إليه الرفع أو النصب، وزعم أن جواز ذلك في الصورتين السابقتين مما تفرد به ابن مالك، ولم يقف على أنه نقله في فتاويه عن الأخفش.
وجماعة وافقوه فيه، واختار كون {إِخْوَانًا} منصوبًا على المدح؛ والسرر بضمتين جمع سرير وهو معروف وأخذه من السرور إذ كان ذلك لأولي النعمة، وإطلاقه على سرير الميت للتشبيه في الصورة وللتفاؤل بالسرور الذي يلحق الميت برجوعه إلى جوار الله عز وجل وخلاصه من سجنه المشا إليه بما جاء في بعض الآثار «الدنيا سجن المؤمن». وكلب. وبعض بني تميم يفتحون الراء وكذا كل مضاعف فعيل، ويجمع أيضًا على أسرة، وهي على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من ذهب مكللة باليواقيت والزبرجد والدر، وسعة كل كسعة ما بين صنعاء إلى الجابية. وفي كونهم على سرر إشارة إلى أنهم في رفعة وكرامة تامة.
وروي عن مجاهد أن الأسرة تدور بهم حيثما داروا فهم في جميع أحوالهم متقابلون لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض، فالتقابل التواجه وهو نقيض التدابر، ووصفهم بذلك إشارة إلى أنهم على أشرف أحوال الاجتماع.
وقيل: هو إشارة إلى أنهم يجتمعون ويتنادمون، وقيل: معنى {متقابلين} متساوين في التواصل والتزاور.
وفي بعض الأخباء إن المؤمن في الجنة إذا أراد أن يلقى أخاه المؤمن سار كل واحد منهم إلى صاحبه فيلتقيان ويتحدثان.
{لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا} أي في تلك الجنات {نَصَبٌ} تعب ما إما بأن لا يكون لهم فيها ما يوجبه من السعي في تحصيل ما لابد لهم منه لحصول كل ما يشتهونه من غير مزاولة عمل أصلًا، وإما بأن لا يعتريهم ذلك وإن باشروا الحركات العنيفة لكمال قوتهم.
وفي بعض الآثار أن قوة الواحد منهم قوة أربعين رجلًا من رجال الدنيا؛ والجملة استئناف نحوي أو بياني أو حال من الضمير في {فِي جنات} [الحجر: 45]. أو من الضمير في {إِخْوَانًا} [الحجر: 47]. أو من الضمير في {متقابلين} [الحجر: 47]. أو من الضمير في {على سُرُرٍ} [الحجر: 47]. {وَمَا هُمْ مّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} أي هم خالدون فيها.
فالمراد استمرار النفي وذلك لأن إتمام النعمة بالخلود، وهذا متكرر مع {ءامِنِينَ} [الحجر: 46]. إن أريد منه الأمن من زوالهم عن الجنة وانتقالهم منها، وارتكب ذلك للاعتناء والتأكيد وإن أريد به الأمن من زوال ما هم عليه من النعيم والسرور والصحة لا يتكرر، وبحث بعضهم في لزوم التكرار بأن الأمن من الشيء لا يستلزم عدم وقوعه كأمن الكفرة من مكر الله تعالى مثلًا وأنه يجوز أن يكون المراد زوال أنفسهم بالموت لا الزوال عن الجنة، وتعقب بأن الثاني في غاية البعد فإنه لا يقال للميت: إنه فيها وإن دفن بها كالأول فإن الله تعالى إذا بشرهم بالأمن منه كيف يتوهم عدم وقوعه. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46)}
بين في هذه الآية الكريمة أن المتقين يوم القيامة في جنات وعيون، ويقال لهم يوم القيامة: {ادخلوها بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46]، وذكر في مواضع أخر صفات ثوابهم وربما بين بعض تقواهم التي نالوا بها هذا الثواب الجزيل كقوله في الذاريات: {إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَعُيُون آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُواْ قَلِيلًا مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ والمحروم} [الذاريات: 15-19]، وقوله في الدخان: {إِنَّ المتقين فِي مَقَامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الجحيم فَضْلًا مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم} [الدخان: 51-57]، وقوله في الطور: {إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ فَاكِهِينَ بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الجحيم كُلُواْ واشربوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ مُتَّكِئِينَ على سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} [الطور: 17-20]، وقوله في القمر: {إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ} [القمر: 54-55]، وقوله في المرسلات: {إِنَّ المتقين فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [المرسلات: 41-42]. إلى غير ذلك من الآيات.
وقد بينا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن الشيء الذي له أوصاف متعددة في القرآن نبين أوصافه عند ذكر بعضها كما تقدم مثاله مرارًا وكما هنا.
والمتقي اسم فاعل الاتقاء وأصل الاتقاء وق ي لفيف مفروق فاؤه واو وعينه قاف ولامه ياء فدخله تاء الافتعال فصارت وقي أو تقي فأبدلت الواو التي هي فاء الكلمة تاء للقاعدة المقررة في التصريف أن كل واو هي فاء الكلمة إذا دخلت عليها تاء الافتعال يجب إبدالها أعني الواو تاء وإدغامها في تاء الافتعال نحو اتصل من الوصل واتزن من الوزن واتحد من الوحدة واتقى من الوقاية وعقد هذه القاعدة ابن مالك في الخلاصة بقوله:
ذو اللين فاتا في افتعال أبدلا ** وشذ في ذي الهمز نحو ائتكلا

والاتقاء في اللغة: اتخاذ الوقاية دون المكروه ومنه قول نابغة ذبيان:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ** فتناولته واتقتنا باليد

يعني استقبلتنا بيدها جاعلة وقاية تقيها من أن ننظر إلى وجهها لأنها تستره بها وقول الآخر:
فألقت قناعًا دونه الشمس واتقت ** بأحسن موصلين كف ومعصم

والتقوى في اصلاح الشرع: هي اتخاذ الوقاية دون عذاب الله وسخطه وهي مركبة من أمرين هما امتثال أمر الله واجتناب نهيه.
قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا}
بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه نزع ما في صدور أهل الجنة من الغل في حال كونهم إخوانًا وبين هذا المعنى في الأعراف وزاد أنهم تجري من تحتهم الأنهار في نعيم الجنة وذلك في قوله: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنهار وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي هَدَانَا لهذا} [الأعراف: 43]. الآية.
قوله تعالى: {على سُرُرٍ مُّتَقَابِلِين}.
بين في هذه الآية الكريمة أن المتقين الذين هم أهل الجنة يوم القيامة يكونون على سرر وأنهم متقابلون ينظر بعضهم إلى وجه بعض ووصف سررهم بصفات جميلة في غير هذا الموضع منها أنها منسوجة بقضبان الذهب وهي الموضونة قال في الواقعة: {ثُلَّةٌ مِّنَ الأولين وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخرين على سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ} [الواقعة: 13-16]، وقيل الموضوعة المصفوفة كقوله: {مُتَّكِئِينَ على سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ} [الطور: 20]. الآية ومنها أنها مرفوعة كقوله في الغاشية: {فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ} [الغاشية: 13]. الآية وقوله في الواقعة: {وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ} [الواقعة: 34]، وقوله: {مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [الرحمن: 76]. إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: {لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ}.
بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن أهل الجنة لا يمسهم فيها نصب وهو التعب والإعياء وقوله نصب نكرة في سياق النفي فتعم كل نصب فتدل الآية على سلامة أهل الجنة من جميع أنواع التعب والإعياء وقوله نصب نكرة في سياق النفي فتعم كل نصب فتدل الآية على سلامة أهل الجنة من جميع أواع التعب والمشقة وأكد هذا المعنى في قوله تعالى: {الذي أَحَلَّنَا دَارَ المقامة مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فاطر: 35]. لأن اللغوب هو التعب والإعياء أيضًا وقد صح عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله أمرني أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب».
قوله تعالى: {وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ}.
بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن أهل الجنة لا يخرجون منها وأكد نفي إخراجهم منها بالباء في قوله: {بِمُخْرَجِينَ} فهم دائمون في نعيمها أبدًا بلا انقطاع، وأوضح هذا المعنى في مواضع آخر كقوله: {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الفردوس نُزُلًا خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف: 107-108]، وقوله: {وَيُبَشِّرَ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} [الكهف: 2-3]، وقوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108]، وقوله: {إِنَّ هذا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} [ص: 54]. إلى غير ذلك من الآيات. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45)}
استئناف ابتدائي، انتقال من وعيد المجرمين إلى بشارة المتّقين على عادة القرآن في التفنن.
والمتّقون: الموصوفون بالتقوى.
وتقدمت عند صدر سورة البقرة.
والجنّات: جمع جنة.
وقد تقدمت عند قوله تعالى: {أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار} في أول سورة البقرة [25]
والعيون: جمع عين اسم لثقب أرضي يخرج منه الماء من الأرض. فقد يكون انفجارها بدون عمل الإنسان.
وأسبابه كثيرة تقدمت عند قوله تعالى: {وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار} في [سورة البقرة: 74]
وقد يكون بفعل فاعل وهو التفجير.
وجملة {ادخلوها} معمولة لقول محذوف يقدر حالًا من {المتقين} والقرينة ظاهرة.
والتقدير: يقال لهم ادخلوها.
والقائل هو الملائكة عند إدخال المتقين الجنة.
والباء من {بسلام} للمصاحبة.
والسلام: التحية.
وتقدم في قوله: {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم} في [سورة الأنعام: 54]
والأمن النجاة من الخوف.
وجملة {ونزعنا ما في صدورهم من غل} عطف على الخبر، وهو {في جنات وعيون}.
والتقدير: إن المتقين نزعنا ما في صدورهم من غِلّ.
والغِلّ بكسر الغين البغض.
وتقدم في قوله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غلّ تجري من تحتهم الأنهار} في [سورة الأعراف 43]، أي ما كان بين بعضهم من غلّ في الدنيا وإخوانًا حال، وهو على معنى التشبيه، أي كالإخوان، أي كحال الإخوان في الدنيا.
وأول من يدخل في هذا العموم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم من الحوادث الدافع إليها اختلاف الاجتهاد في إقامة مصالح المسلمين، والشدة في إقامة الحق على حسب اجتهادهم.
كما روي عن علي كرّم الله وجهه أنه قال: إني لأرجو من أن أكون أنا وطلحة ممن قال الله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا}.
فقال جاهل من شيعة عليّ اسمه الحارث بن الأعور الهمذاني: كلا، اللّهُ أعدل من أن يجمعك وطلحة في مكان واحد.
فقال عليّ: فلمن هذه الآية لا أمّ لك بِفيك التراب.
والسرر: جمع سرير.
وهو محمل كالكرسي متّسع يمكن الاضطجاع عليه.
والاتّكاء: مجلس أصحاب الدعة والرفاهية لتمكن الجالس عليه من التقلّب كيف شاء حتى إذا ملّ جِلسة انقلب لغيرها.
والتقابل: كون الواحد قبالة غيره، وهو أدخل في التأنس بالرؤية والمحَادثة.
والمسّ: كناية عن الإصَابة.
والنصَب: التعب النّاشىء عن استعمال الجهد. اهـ.

.قال الشعراوي:

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45)}
والمُتقِي هو الذي يحولُ بين ما يُحبّ وما يكره؛ ويحاول ألاَّ يصيب مَنْ يحب ما يكره، وتتعدى التقوى إلى متقابلاتٍ، فنجد الحق سبحانه يقول: {اتقوا الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله} [البقرة: 282].
ويقول أيضًا: {فاتقوا النار التي وَقُودُهَا الناس والحجارة} [البقرة: 24].
وقلنا من قَبْل: إن الحقَّ سبحانه له صفاتُ جلال، وصفات كمال وجمال. يَهَبُ بصفات الكمال والجمال العطايا، ويهَبُ بصفات الجلال البَلايا؛ فهو غفّار، وهو قهار، وهو عَفْو، وهو مُنْتِقم.
وعلينا أن نجعلَ بيننا وبين صفات الجلال وقاية؛ وأن نجعل بيننا وبين صفات الجمال قُرْبى؛ والطريق أن نتبعَ منهجه؛ فلا ندخل النار التي هي جُنْد من جنود الله.